فصل: المسألة الثالثة: (في دخول الذهب والفضة وسائر الأمتعة في الغنيمة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويدل له ما ثبت في الصحيح: من أنه كان يأخذ قوت سنته من فيء بني النضير، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما بعد وفاته، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى صلوات الله وسلامه عليه. فإن بعض العلماء يقول بسقوط نصيبه بوفاته.
وممن قال بذلك: أبو حنيفة رحمه الله، واختاره ابن جرير.
وزاد أبو حنيفة سقوط سهم ذوي القربى أيضًا: بوفاته صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أن نصيبه صلى الله عليه وسلم باق، وأن إمام المسلمين يصرفه فيما كان يصرفه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصالح المسلمين.
وقال بعض العلماء يكون نصيبه صلى الله عليه وسلم لمن يلي الأمر بعده، وروي عن أبي بكر، وعلي وقتادة، وجماعة، قال ابن كثير: وجاء فيه حديث مرفوع.
قال مقيده:- عفا الله عنه- والظاهر أن هذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا أنه الصحيح، وأن معنى كونه لمن يلى الأمر بعده، أنه يصرفه فيما كان يصرفه فيه صلى الله عليه وسلم، والنَّبي قال: «والخمس مردود عليكم» وهو واضح كما ترى.
ولا يخفى أن كل الأقوال في نصيب النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. راجعة إلى شيء واحد. وهو صرفه في مصالح المسلمين.
وقد كان الخلفاء الراشدون المهديون- رضي الله عنهم- يصرفونه فيما كان يصرفه فيه صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو بكر، وعمر- رضي الله عنهما- يصرفانه في الكراع والسلاح.
وجمهور العلماء على أن نصيب ذوي القربى باق، ولم يسقط بموته صلى الله عليه وسلم.
واختلف العلماء فيه من ثلاث جهات:
الأولى: هل يسقط بوفاته أو لا؟
وقد ذكرنا أن الصحيح عدم السقوط. خلافًا لأبي حنيفة.
الثانية: في المراد بذي القربى.
الثالثة: هل يفضل ذكرهم على أنثاهم أو لا؟
أما ذوا القربى: فهم بنو هاشم، وبنو المطلب. على أظهر الأقولا دليلًا، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، ومجاهد، وقتادة، وابن جريج، ومسلم بن خالد.
قال البخاري في صحيحه، في كتاب فرض الخمس.
حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب. عن جبير بن مطعم. قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بنو المطلب، وبنو هاشم شيء واحد».
قال الليث: حدثني يونس وزاد قال جبير: ولم يقسم النَّبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل. اهـ.
وقال البخاري أيضًا في المغازي: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن جبير بن مطعم أخبره. قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر، وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: «إنما بنو هاشم، وبنو المطلب شيء واحد»، قال جبير: لم يقسم النَّبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس، وبني نوفل شيئًا. اهـ.
وإيضاح كونهم من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة واحدة: أن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وعثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف.
فأولاد عبد مناف بن قصي أربعة:
هاشم، والمطلب، وعبد شمس.
وهم: أشقاء. أمهم: عاتكة، بنت مرة، بن هلال السلمية، إحدى عواتك سليم. اللاتي هن جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن ثلاث. هذه: التي ذكرنا.
والثانية: عمتها. وهي: عاتكة، بنت هلال التي هي أم عبد مناف.
والثالثة: بنت أخي الأولى. وهي عاتكة، بنت الأوقص، بن مرة، بن هلال، وهي أم وهب، والد آمنة، أم مازن، بن صعصعة.
قال الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه عمود النسب:
عبد مناف قمر البطحاء ** أربعة بنوء هؤلاء

مطلب، وهاشم، ونوفل ** وعبد شمس، هاشم لا يجهل

وقال في بيان عواتك سليم اللاتي هن جدات له صلى الله عليه وسلم:
عواتك النَّبي: أم وهب ** وأم هاشم، وأم الندب

عبد مناف، وذه الأخيرة: عمة عمة الأولى الصغيره.
وهن بالترتيب ذا لذي لرجال ** الأوقص بن مرة بن هلال

فبهذا الذي بينا يتضح أن الصحيح أن المراد بذي القربى في الآية: بنو هاشم، وبنو المطلب دون بني عبد شمس، وبني نوفل.
ووجهه أن بني عبد شمس، وبني نوفل عادوا الهاشميين، وظاهروا عليهم قريشًا، فصاروا كالأباعد منهم. للعداوة، وعدم النضرة.
ولذا قال فيهم أبو طالب. في لاميته المشهورة:
جزى الله عنا عبد شمس، ونوفلا ** عقوبة شر، عاجل، غير آجل

بميزان قسط لا يخيس شعيرة ** له شاهد من نفسه، غير عائل

لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ** بني خلف قيضا بنا، والغياطل

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم ** وآل قصي في الخطوب الأوائل

بهذا الحديث الصحيح الذي ذكرنا: يتضح عدم صحة قول من قال: بأنهم بنو هاشم فقط. وقول من قال: إنهم قريش كلهم.
وممن قال بأنهم بنو هاشم فقط: عمر بن عبد العزيز، وزيد بن أرقم، ومالك، والثوري، ومجاهد وعلي ابن الحسين، والأوزاعي، وغيرهم.
وقد أخرج الشافعي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه: عن ابن عباس: أن نجدة الحروري كتب إليه: يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه: إنا كنا نرى أناهم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.
وزيادة قوله: وقالوا: «قريش كلها» تفرد بها أبو معشر، وفيه ضعف.
وما قدمنا من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفعله الثابت في الصحيح: يعين أنهم بنو هاشم، والمطلب، وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل، وكثير من أهل العلم.
فإذا عرفت أنه صلى الله عليه وسلم قضى بخمس الخمس من غنائم خيبر لبني هاشم والمطلب، وأنهم هم ذوو القربى المذكورون في الآية.
فاعلم أن العلماء اختلفوا: هل يفضل ذكرهم على أنثاهم، أو يقسم عليهم بالسوية؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه كالميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين. وهذا هو مذهب أحمد بن حنبل في أصح الروايتين.
قال صاحب الإنصاف: هذا المذهب جزم به الخرقي، وصاحب الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والعمدة، والوجيز، وغيرهم. وقدمه في الرعايتين، والحاويين، وغيرهم، وصححه في البلغة، والنظم، وغيرهما.
وعنه: الذكر والأنثى. سواء. قدمه ابن رزين في شرحه. وأطلقهما في المغني، والشرح، والمحرر، والفروع، اه من الانصاف.
وتفضيل ذكرهم على أنثاهم الذي هو مذهب الإمام أحمد: هو مذهب الشافعي أيضًا.
وحجة من قال بهذا القول: أنه سهم استحق بقرابة الأب شرعًا. بدليل أن أولاد عماته صلى الله عليه وسلم، كالزبير بن العوام، وعبد الله بن أبي أمية.
لم يقسم لهم في خمس الخمس، وكونه مستحقًا بقرابة الأب خاصة يجعله كالميراث. فيفضل فيه الذكر على الأنثى.
وقال بعض العلماء: ذكرهم وأنثاهم سواء.
وممن قال به المزني: وأبو ثور، وابن المنذر.
قال مقيده:- عفا الله عنه- وهذا القول أظهر عندي، لأن تفضيل الذكر على الأنثى يحتاج إلى دليل، ولم يقم عليه في هذه المسالة دليل، ولم ينقل أحد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنه فضل ذكرهم على أنثاهم في خمس الخمس.
والدليل على أنه ليس كالميراث: أن الابن منهم يأخذ نصيبه مع وجود أبيه، وجده. اهـ.
وصغيرهم وكبيرهم سواء. وجمهور العلماء القائلين بنصب القرابة على أنه يقسم على جميعهم. ولم يترك منهم أحد خلافًا لقوم.
والظاهر شمول غنيهم. خلافًا لمن خصص به فقراءهم، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخصص به فقراءهم، بخلاف نصيب اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
فالظاهر أنه يخصص به فقراؤهم، ولا شيء لأغنيائهم، فقد بان لك مما تقدم أن مذهب الشافعي، وأحمد- رحمهما الله- في هذه المسالة: أن سهم الله، وسهم رسوله صلى الله عليه وسلم واحد. وأنه بعد وفاته يصرف في مصالح المسلمين. وأن سهم القرابة لبني هاشم، وبني المطلب. للذكر مثل حظ الأنثيين، وأنه لجميعهم. غنيهم وفقيرهم، قاتلوا أم لم يقاتلوا، وأن للذكر منهم مثل حظ الأنثيين، وأن الأنصباء الثلاثة الباقية لخصوص الفقراء من اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
ومذهب أبي حنيفة: سقوط سهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وسهم قرابته بموته، وأن الخمس يقسم على الثلاثة الباقية: التي هي اليتامى، والمساكين وابن السبيل. قال: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة، والجند، وروي نحو هذا عن الشافعي أيضًا.
ومذهب الإمام مالك- رحمه الله- أن أمر خمس الغنيمة موكول إلى نظر الإمام واجتهاده. فيما يراه مصلحة، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها: ويقول مالك هذا: قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم»، فإنه لم يقسمه أخماسًا، ولا أثلاثًا، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم. لأنهم من أهم من يدفع إليه.
قال الزجاج: محتجًا لمالك، قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة: 215].
وللرجل جائز بإجماع العلماء أن ينفق في غير هذه الأصناف، إذا رأى ذلك، وذكر النسائي عن عطاء، قال: «خمس الله، وخمس رسوله واحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه، ويعطى منه، ويضعه حيث شاء». اهـ. من القرطبي.
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرف في مال الفيء.
وقال شيخنا العلامة ابن تيمية: رحمه الله- وهذا قول مالك، وأكثر السلف، وهو أصح الأقوال اه من ابن كثير.
وهذا القول هو رأي البخاري بدليل قوله: باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يعني للرسول قسم ذلك.
وقال رسول الله: إنما أنا قاسم، وخازن، والله يعطي ثم ساق البخاري أحاديث الباب، في كونه صلى الله عليه وسلم قاسمًا بأمر الله تعالى.
قال مقيده- عفا الله عنه-: وهذا القول قوي، وستأتي له أدلة إن شاء الله في المسألة التي بعد هذا، ولكن أقرب الأقوال للسلامة هو العمل بظاهر الآية، كما قال الشافعي، وأحمد- رحمهما الله- لأن الله أمرنا أن نعلم أن خمس ما غنمنا. لهذه المصارف المذكورة، ثم أتبع ذلك بقوله: {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله}، وهو واضح جدًا، كما ترى.
وأما قول بعض أهل البيت. كعبد الله بن محمد بن علي، وعلي بن الحسين رضي الله عنهم: بأن الخمس كله لهم دون غيرهم، وأن المراد باليتامى، والمساكين: يتاماهم، ومساكينهم، وقول من زعم أنه بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم، يكون لقرابة الخليفة الذي يوليه المسلمون، فلا يخفى ضعفهما، والله تعالى أعلم.

.المسألة الثالثة: [في دخول الذهب والفضة وسائر الأمتعة في الغنيمة]:

أجمع العلماء على أن الذهب والفضة وسائر الأمتعة. كل ذلك داخل في حكم الآية: يخمس، ويقسم الباقي على الغانمين، كما ذكرنا.